ترائى لي الأمل سابقا وأنا على مقعد الدراسة في كل أمر جميل من أمور الحياة ولكن بعد المضي قدما ضاق الطريق أكثر وأكثر ، إلى أن أصبح بالكاد يوصل بالنفس مرادها ، فعند طرق باب العلوم يتجلى لك أساتذة يوحون إليك بالوصول ويزخرفون لك الآمال لتظن أنك ستكون في القمة بعد حيازتك الشهادة الجامعية وأن طريقك سيكون مفروشا بالورود ومستقبلك المهني سيكون بأمان ، وبعد التخرج تبدأ الصدمة تلو الصدمة ، فقطاع خاص هزيل تفاجئ إذا ما وصلت عتبات أحد مؤسساته أن صاحب المؤسسة ينظر إليك على أنك آتيه لتأخذ ماله ، وإذا ما وقع عليك الإختيار فإنه يحلب فيك النملة ويعطيك من خزائنه التي تنوء العصبة أولي القوة بحمل مفاتيحها الشيء الفتات ولعله لا يتفوه بالكلام ، لكنه أي رجل الأعمال الذي تعمل لديه يمن عليك ويوهمك أنك أنت المستفيد الأول بالعمل لديه وأنك ذو حظ عظيم فغيرك الآلاف من الشباب يتمنون الوظيفة مستغلا كل ظروفك الخاصة والوضع الراهن للإقتصاد الوطني والأزمة المالية العالمية . وإذا ما توجهت عيناك تجاه القطاع العام وبالفعل جاءتك الصحيفة المحلية بالبشرى لتقرأ اسمك في قوائم المرشحين بالعمل لدى الحكومة ، فتهرع لتأمين أوراقك من شهادة ميلادك وشهاداتك العلمية وغير ذلك من متطلبات ملفك الوظيفي ،تباشر العمل بالفعل مع قليل خوف من تقصير هنا أو هناك لتفرح بأول راتب دون أن تدوم الفرحة ، فراتبك يتآكل مع ارتفاع الأسعار ، وحاجاتك أكثر بكثير من دخلك المحدود ، تحاول الإستدانة من زملاء العمل فتجدهم فريقين أحدهم يقدر لمساعدتك لكنه لا يرغب والثاني يرغب لكنه لا يقدر ، تلجأ لزملاء الدراسة ممن حظوا بفرص أفضل منك فيساعدك أحدهم مع نصيحة عابرة في أن تدبر أمورك المالية أكثر كرسالة ضمنية بعدم تكرار الطلب منه ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، تستدين قليلا من صديقك المقرب بسهولة لحاجة أكبر ، وتسد دينك مع مرور الوقت بصعوبة تصل بها روحك حد الوتين ، تحاول الخروج من عنق الزجاجة بالعمل بدوام ثاني فلا تجد إلا عملا مطلوب منك أن تعمل فيه قبل بزوغ الفجر بقليل فتنسحب قبل أن تنسحب صحتك من جسدك ، تهرب للأمام فتطرق باب البنوك للحصول على النقود بضمان راتبك الهزيل ، يبتسم لك موظف البنك ليقول لك وكأنك تستجدي أن المصرف يعطيك للحد القليل الذي يسمح لك بالعيش ، ذلك الحد الذي لا يكفي لشراء شقة العمر بل بالكاد يكفي لإقتناء سيارة الأحلام المتواضعة ، لتبقى تعمل في دوامة الإنفاق على السيارة وسداد ثمنها للبنك ، وما يتبقى من راتبك فعليك أن تتأقلم به بأكل العدس والفول والبصل أما اللحمة والسمك فيكفيك منها ما تتجرأ عليه وقت السعة المستندة لعمل طارئ تقوم به أو وقت عطلة تصبح فيه نفقة مواصلاتك لمركز عملك صفرا ، لا أدري ما حل الخروج من دوامة قسمة ضيزى اسمها الراتب الحكومي ، يرى بعض الإقتصاديين أن الحل في هيكلة الرواتب الحكومية لا سيما رواتب المعلمين المساكين لتصبح تضاهي تضخم الأسعار السوقية التي تلتهم الرواتب أولا بأول ، فهل ستطلعنا الصحف ووسائل الإعلام بهذه البشرى قريبا وإذا ما حصل ذلك هل ستضمن الحكومة لنا عدم قفز الأسعار ضعف الزيادة على الراتب ، أم أن تلك الأمنية ستدخل قائمة الأمنيات طويلة الأجل المتوارثة عبر الأجيال كأمنيات الوحدة العربية والتكامل الإقتصادي والربط الكهربائي وسكة الحديد وتحرير فلسطين