ألا كم كان في أزماني من فرص لاحت بالأفق وتبددت بفعل الشد والجذب لطبيعة قاسية ، أعلام من الناس أطلقت العنان لنصائحها لا تبتغي إلا ما أسرت نفوسها من غايات مضمورة ، فكم وكم رأت العين من أمور عاديات سال لها اللعاب ولم تكتب للمرئ ساعتها لأنها لم تكتب له ، هي الدنيا كسوق مفتوح ينادى له على مسامع ومرئى الناس أي أقبلوا فهنا تجدون الأفضل وآخرون يعرضون ما يرون أنه الأجود ، بضاعة سيقت في كل مكان كان لها من اشترى وضاعت عن من صك وجهه عنها ، ولم يعلم أنها مخزن لقيمة ضاعت عنه لأنه رفضها خوفا أو إعراضا بلا سبب إلا لأنها ليست له ، فرص هي الدنيا فمن يغتنم منها أفضلها يكون سعيد الحظ ، ذلك الحظ الذي لا أدري كنهه بعد ، هل هو قالب أعد مسبقا لكل مرئ حسب اسمه أو وطنه أو عائلته ، فحظي أني لم أولد من عائلة برجوازية وحظي أني لم أكن من سويسرا ، وحظي مختزن في ظل اسمي الذي لم أختاره أصلا ، لقد أثرت حيرتي يا حظ لدرجة أني لم أعد أعرف أن أقرر أسباب ضياع الفرص مني هل هو حظي السيء ، هاأناذا عدت ذاكرا الحظ مرة أخرى الذي لا أجد له تعريفا محددا في قاموس النجاح والفشل ، إلا خيالا يشكل طاقة للكلمة لتنطلق بالحركة المنطوقة ، في كل مرة أجرد بها حسابي مع الأيام في دفتر خواطر تسكن صفحات الزمان ، ذلك الزمان المحدود ببداية معروفة ومستقبل غائب لا يتأتى إلا لحظة الصفر المقرر له ، وبعد عد تنازلي لكل حدث أو لقاء أو قرار مصيري أو أي شيء آخر مهم أو غير مهم ، لقد حار فكري في تعريف جامع مانع لما يسمى الحظ لدرجة أصبحت أتفائل أو أتشائم أو قل أتشائل بصفاء السماء وهديل الحمام وسكون الليل عندما يرحل النهار ، وأرجع سبب حيرتي في الوقوف على معنى الحظ هو عدم معرفتي مصدر ذلك الحظ ، هل هو صنيعة بشر صالحون أو طالحون أو بين بين يؤثروا في حركة المعاش اليومي للناس ، وبالتالي يغدقون هنا ويمنعون هناك ، أم ترى هو قدر إلهي لا كما غنى العندليب أحمق العينين ، حتى لا أخرج من دائرة الإيمان على الأقل فأخسر الدنيا والآخرة ، بل أقول أنه أي الحظ قدر له حكمة إلهية فهمها من فهمها وجهلها من جهلها . أستطيع الآن أفهم المعادلة أكثر ، فالفرق بين القدر الإلهي والحظ البشري شعرة ، تلك الشعرة التي تمنع الموت عن من يلقي بنفسه من عمارة عالية منتحرا ليجد نفسه واقعا في حاوية ملئى بالقمامة ، أو تلك الشعرة التي تمنع الزواج عن عاشقين بسبب مشكلة مصطنعة تحول دون التوفيق بينهما ، أو تلكم الشعرة التي تمنع رزقا عن إنسان وصلت اللقمة له حد الفم ، لكنها بلحظة ما تسقط في وحل الحسرة بسبب قرار ليس له فيه يد ليقول بعدها مسلما لعله خير . هذه الحياة إذن يا صاح شبكات اجتماعية متداخلة بعضها فوق بعض ، إطارها العام السياسة ووقودها المحرك الإقتصاد وحدودها الفاصلة الدين ونتائجها المتراكمة الثقافة ضمن علاقات إنسانية واسعة وأخرى ضيقة ، فهذا يؤثر في ذاك وذلك يؤثر في تلك ، ليكون حظ كل إنسان سيد الموقف لكنه مرهونا لقوة التأثير الكامنة في ذلك الإنسان . يمكن في نهاية المقال أن أعرف الحظ مجتهدا متعلما لا معلما ملقنا أنه ذلك الصوت الخفي مجهول المصدر داخل الإنسان ، والذي يرجح لديه كفة الإختيار أو كفة عدم الإختيار ، في ميزان شخصي خاص وبتقرير الأفضل العائد على الذات ، متأثرا بضوضاء السلبيين أو إيجابية الناصحين ، ليختار مع يراه الأنسب له بعد سماع ذلك الصوت الكامن في ضميره مستندا لكل مبادئ وقواعد وسياسات الحياة على أساس من الخبرة الشخصية التي تشكل قاعدة للقرار ، والذي لا يعرف ايجابيته من سلبيته إلا بعد خوض التجربة بهامش من مغامرة محسوبة العواقب ، بعيدا عن آفة النجاح وهو الخوف اللاإرادي الذي يكبح جماح التحدي نحو التغيير للأفضل ، والذي يحتاج لإدارة تضبطه في حدوده الدنيا ، وإلا كان مرضا مقعدا عن عمل أي شيء في عالم لا يعرف سوى القوة ، أما العدالة فهي من صنع الله التي لا تأتي إلا في وقتها ، والله أعلم .